لم يكن الدَّرس الشرعي الذي تلقيته يُساعد على قراءة نفسيات الناس، أو التعرف على أمزجتهم وطباعهم.
لكني منذ الطفولة كنت حَفِيّاً بالتساؤل عن مدى سعادة الناس الذين حولي، أو تعاستهم واستقرارهم، أو اضطرابهم من الناحية النفسية.
حين كبرت وقرأت «علم النفس» أحسست أنه علم مألوف لديَّ ومحبوب؛ خلافاً لزملائي الذين كانوا ينعتونه بـ«علم النحس»، ويجدونه نشازاً بين العلوم الأخرى التي يدرسونها.
مابين قراءة الكتب المتخصصة، وقراءة السّحنات، والوجوه، والتصرفات.. صرت أكثر قدرة على فهم ذاتي، وعلى ما يتصوره الآخرون عني، أو يتوقعونه مني.
لو كنت متفرغاً لشيء غير ما أنا بصدده لكنت مستشاراً يساعد الآخرين على تجاوز همومهم، وآلامهم، ومعاناتهم.. ويشجع الأزواج والأصدقاء على تجاوز صعوبات الاتصال، والانتقال إلى حياة أفضل وأجمل.
«تغريداتي، وتدويناتي» هي انعكاس لحالة نفسية عامرة بالبهجة من الحاضر، والرضا عن الماضي، والتطلُّع إلى مستقبل أفضل وأكمل.
«تغريداتي» تعامل واقعي وليس مثالياً مع النجاح والفشل، والقوة والضَّعْف، والخطأ والصواب، والطاعة والمعصية، وكل الثنائيات التي تحفل بها حياة البشر.
كل ذلك عشته وعانيته، وكنت فيه الذي يفرح ويحزن، ويغضب ويرضى، ويعجل ويتأنَّى، ويخطئ ويصيب، ويصر ويعاند حيناً ويرجع ويصحح حيناً آخر، ويتصرَّف في حال بأسلوب، فإذا ذهب الحدث وعادت النفس إلى هدوئها استحى من نفسه وممن شاهده على تلك الحال، وقد يجد الشجاعة فيعتذر من خطأ، وتنقصه الشجاعة فيتهرَّب من خطأ أصغر منه أو أكبر.
الحياة إذاً لونان، بل ألوان شتى، وكما قال عبد العزيز بن زرارة الكلابي:
قد عشت في الدهر أطواراً على طُرُقٍ ... شتّى فصادفتُ منهُ اللين والفظَعا
لا يَملأُ الهولُ قلبي قبل موقعه ... ولا أضيقُ به صدراً إذا وقعا
كُلاً لبستُ فلا النعماء تُبطِرُني ... ولا تخشعتُ من لأوائها جزعا
النصيحة التي أقدمها هي تلك التجربة التي عشتها.
أنصح بشيء لأني جرَّبته وانتفعت به، وأنهى عن غيره لأني عشته وأدركت خطئي فيه.
وقد ألحظ هذا في الناس الذين أعايشهم، وأحاول أن أغوص على أعماقهم ومشاعرهم، وأحلل مشكلاتهم، وأدرس نفسياتهم.
لمحة الوجه صارت تساعدني على سبر أغوار صاحبي، وتلمّس مدى الطمأنينة التي يجدها، أو القلق الذي يساوره.
ولسانه يُصَدِّق ذلك أو يُكَذِّبه.
صرت أمتلك الجرأة لأقول قولاً لم أقرأه في كتاب، وإن كنت متأكداً أنه مسطَّر في الكثير من الكتب.
ذلك القول هو: «أن السعاة لغة».
اللغة التي تتحدثها تبين عن مدى سعادتك، وأكثر من ذلك فاللغة التي تتحدثها تصنع سعادتك أو تصنع نقيضها.
بينما كنت أُفكِّر في هذا سمعت القارئ يتلو قوله تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد:8-10).
العين تنظر، والأذن تسمع، واللسان هو المُعبِّر، وبناءً عليه يكون النجد الذي تختاره خيراً أو شراً.
أفعال الآخرين هي في مرمى بصرك أو سمعك، وليست هي مصدر سعادتك أو شقائك، بل رد فعلك واستجابتك التي يعبر عنها لسانك؛ هي سر الحالة النفسية التي تعيشها.
لم أر في حياتي إنساناً ناجحاً يجتر الكلمات السلبية ويتوقع الإخفاق.
ولم أر فاشلاً يمتلك لغة جميلة ويتوقع الخير.
لا يعتريني شك أن لو غيَّر المتشائم لغته، وأصرَّ على كلمات إيجابية، ولو على سبيل التكلُّف والتصنُّع، فسوف يجد -لا محالة- فرقاً كبيراً في مزاجه ونفسيته، وفي حياته ونجاحاته.
ستكون روحه أكثر سمواً، وعقله أشد إشراقاً؛ سيمتلك قابلية للنجاح، وتعاملاً رياضياً مع الإخفاق، وثقة بالنفس، وأريحية في التعامل مع الآخرين.
لن يتم هذا بين يوم وليلة، ولكنه ممكن ومقدور عليه، ولم يخلق الله خلقاً إلا وهو قابل للتعاطي مع السعادة، ومع الخير، ومع النجاح.. وهو حين يحصل على هذا لا يأخذ نصيب غيره، بل يأخذ حظّه من كرم الجواد الوهاب.
بعيداً عن الجدل العقيم؛ قل خيراً، وتفاءل بالخير، وتوقّع الخير، ولا تسترسل وراء أوهام الفشل والخوف.
قبل أن تذهب إلى عيادة نفسية كلما قال لك صديق أحسَّ بأنك متضايق ردد: أنا سعيد ومسرور؛ لتصبح سعيداً ومسروراً فعلاً متى غدت هذه عادتك.
لا تحاصر نفسك بالأحكام السلبية: أنا فاشل، غبي، ضعيف الإرادة، مكروه، الأبواب مغلقة في وجهي، أعيش بلا هدف.
لا تتمن الموت، فلست تدري ما بعد الموت، ولعل عاصياً أن يتوب، أو مسيئاً أن يستعتب، و«لاَ يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلاَّ خَيْرًا».
عوِّد لسانك على القول الكريم الطيب السديد المعروف الميسور.. وهذي بعض أوصاف القول في كتاب الله.
وعوِّد من حولك ألا يسمعوا منك إلا كلمات الأمل، والتفاؤل، والرضا، والحب.
أول تحدٍ في تغيير لغتك مع الأقربين؛ الذين اعتادوا طريقة لن يصدقوا أنك غيَّرتها بسهولة، ستندهش زوجتك لكلمة حلوة، وسيضحك أحد صغارك، ويفغر الآخر فاه متسائلاً، وستكون في وضع لا تُحسد عليه.
إنها البداية فلا تقلق، ومن ورائها فرحة طويلة لك، ولها، ولهم، ولآخرين من دونهم لا تعلمهم الله يعلمهم!
اعتقد في باطنك أنك مؤهل للسعادة والنجاح، وتملك الطاقة والقدرة والإبداع.
في دعواتك وتضرعك وابتهالك تذكَّر دائماً أنك تعزز قدراتك، وتربي نفسك على الثقة بالمستقبل، وقوة العزيمة، وحسن الظن بالله، وتُلهب خيالك لتصور الشيء الذي تتمناه، وتسهيل الوصول إليه.
حتى مع حدوث تلك الانتكاسة لا تيأس، ولا تردد مفرداتك السابقة: أنا أنا.. قل: سأعيد المحاولة، وسأنتصر.. نعم؛ سأنتصر لأني على الحق، لأني استمد إيماني بالصبر من إيماني بالله الذي لا يخيب آمله، ولا يرد سائله.